الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

ذكريات تشبيحية


بعد نجاح الثورة في تونس و قبل أحداث الثورة في سوريا , كنت مع اثنين من الأصحاب نتجول بسيارة في احدى شوارع الإمارات, كانت الثورة المصرية في اولها و قد عقب عليها صديقي بأنه لم و لن يسقط حسني مبارك و سيبقى هو زعيم مصر, كانت عيوني تبرق أملاً و قلت لهما يقولون انه هنالك يوم للثورة في سوريا! , و اذا بهما يصرخان بصوت واحد (لا ما بيصير شي عنا بسوريا) قاما بإسكاتي و إحباط كل امالي. اثناء بحثي على مواقع التواصل الإجتماعي مررت بصفحة إسمها يوم الغضب السوري لم أجروء على الإنضمام لها لكنني كنت اتابعها دوما حتى اتى يوم الغضب بالتاريخ الذي حددته الصفحة انتظرت امام التلفاز غيرت من محطة لمحطة لم اجد شيئاً غريبا لم يتحرك احد لا مظاهرات لا غضب لا شيئ سوى شماتة الكثير و الكثير من الناس.

السورية ضد بشار الاسد مضمار التنسيق للحراك بعد صدمة يوم الغضب السوري تضائلت الأمال لدي بيوم ثورة حقيقي الا في يوم تعالى فيه هتاف في سوق الحميدية ((الشعب السوري ما بينذل)) كان المقطع بالنسبة لي كنز الشعب السوري يصرخ الشعب السوري ما بينذل و لكن هذا اليوم الاستثنائي توقف و اختفى فجأة كما ظهر , على الصفحات دعوات لتمجيد و تبجيل ا
لرئيس و الوفاء له قمت على اثرها بإعادة النظر بصداقتي و علاقتي مع الكثير من الأصدقاء كل من لبى نداء الأسد كان بالنسبة لي عبدً ذليلاً, في يوم 15 اذار التاريخي الذي لن ينساه احد في يوم من الأيام لم أقم بمشاهدة اي قناة اخبارية فلم اعتقد بانه سيحدث اي شيء إستثنائي في هذا اليوم عند المساء و اثناء تصفحي للانترنت كان بعض اصدقائي قد شاركوا مقاطع فيديو في دمشق و درعا و حلب تهتف و تهتف بقوة ((الله سوريا حرية و بس)) لم يعد أسم القائد هو خاتم هذا الهتاف بل الحرية الحرية شعرت بشعور عجيب فرح و أمل و خوف و فرح و فرح و فرح سوريا تنتفض لم يعد الأسد للأبد سوريا تنتفض عندما حاولت ان اشارك فرحتي مع بعض الرفاق أصيب معظمهم بالذعر و الخوف و كل منهم كان يقول لا لزوم لهذا الحراك لنبقى على حالنا لا نريد الخراب لبلادنا الجميع خائف و كان يتصدى بذعر شديد لكل من يشيد بانتفاضة اليوم في سوريا.

لم اعد احتمل نفسي اردت ان اشارك مقاطع الفيديو التي اراها قمت بمشاركة مقطع او اثنين من دمشق و درعا يظهر اعداد من المتظاهرين تهتف للوطن و ضد الفساد لم يكن خيار اسقاط النظام واضحا حينها كان الحراك عفويا و لم يحدد وجهة و اهدافا واضحة بعد,
بعد دقائق من نشري للمقاطع تلقيت اتصالا من أحد الأصدقاء (و الذي من النادر جدا ان يتصل بي) يقول لي ان افكر قبل نشر هذه المقاطع و قالها يا مازن جميعنا نعرف حقيقة النظام و اجرامه و فساده و لكننا لا نريد خراب البلد (يا مازن بلالك هالصرعة كلنا منعرفون بس يا اخي ما بيروحو هيك.. بيروحوا البلد و ما بيروحوا... خليك بحالك) كلام صديقي بالرغم من ما احتوى من شتم للنظام بكلمات لا يمكنني ذكرها  الا انه (ربما بعد ان انهى اتصاله بي فورا) قد وضع صورة القائد على ملفه الشخصي و دجج صفحته بالتبجيل و التهليل للقائد الاوحد بالرغم من انه يكره النظام! على حسب قوله, في ذلك اليوم حدثتني امي من البلد و أول شيء نبهتني له (يا أمي الله يرضى لا تسوي شغلات ما مليحة عالكمبيوتر و انا اسألها متل شو و هي تقول: انت فهمت عليي) كانت هذه الضربة القاضية بعدها حذفت الرابطين من على صفحتي و شعرت بعار شديد.


دعاني صديقي الى بيته الكائن في احد ابراج دبي و بالفعل انطلقت و اجتمعنا عنده و تبادلنا الاحاديث مطولا الى ان وصلنا الى الوضع في البلاد كانت امنيته ان يعود الحال الى ما كان و تهدأ الامور و حدثني عن بعض تجاربه مع النظام و بطشه مما جعله ميقنا ان هذا النظام لن يذهب الا اذا ان ذهبت البلاد معه, بعد قليل انتقلنا الى مكان اخر حيث ازداد عدد رواد سهرتنا شباب سوريين من مختلف الأطياف, لم اعرفهم
 الا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي و اعرف ان بعضهم من اشد الموالين, مفاجئتي كانت من احدهم و الذي هو من كبار مشاركي جمل و صور القائد و تبجيله فقد انهال بشتم الجيش و جرائمه و تحية الرئيس لانه بحسب ما يقول لا علاقة له بأية جريمة بل هم رجال الأمن عندما سألته عن سبب عدم نشره لأي مادة تنتقد النظام او الجيش اجابني ضاحكا (معلم بدنا نرجع عا سوريا) على الطرف الاخر من الحوار شخص كان من مبجلي قناة الدنيا قال لي بنبرة شديدة جدا (مين بدو يعد محلو اذا راح) النقاش كان حاداً جداً الجميع كان متفقا على تأييده الأعمى بل انني كنت حاضرً على جلسة لخلية من خلايا الجيش السوري الألكتروني, و الذين يعتبرون انفسهم من المدافعين عن الوطن و نشر الفكر الصحيح ,كان صديقي (صاحب الدعوة) دوما يحاول ان يبقى على الحياد و يخفف من وتيرة النقاش, و انا حتى لم أجروء على ان اناقش المسالة أكثر من ذلك. معظم الشباب كانوا مدركين لمدى الاجرام الحاصل في البلد بغض النظر عن انكارهم او تهميشهم لهذه الحوادث في نهاية ذلك اليوم سألت نفسي ان كانت هذه العينة من الشباب المغتربين بهذه المواقف فما مواقف رفاقي في الداخل يا ترى!!
 
مررت بمرحلة صعبة جدا في البلد الذي انا فيه, حلت علي بعض الكوارث العملية, فقدت عملي اولا,لم يكن لي أي امل في الحصول على إقامة بسبب الظروف, ارى كل شيء بنيته خلال ثلاث سنوات يتدمر و يتلاشى كالغبار, حاسوبي المحمول اعيد الى الشركة, الأستوديو الذي أستاجرته لم يعد بإمكاني الإحتفاظ به لانني سأترك البلد, دفعت الألاف شروط جزائية لاجارات و عقود مع اتصالات و البيت و غيرها, حال
يا انا استعد للعودة الى سوريا , توجهت للعين حيث كان لي العديد من الأصدقاء و الأقارب هناك ريثما يحين موعد طائرتي, في يوم مشؤوم أجتمعت عند أحد الأصحاب مع نخبة من مؤيدي و مشبحي النظام, كنت اولا أجلس انا و هذا الصديق القديم (هو مؤيد لدرجة مخيفة) لوحدنا بسلام الى ان اتى احدهم متفاخرا و هوي يطلب من صديقي ان يشغل مجموعة من الاغاني الجديدة (جلبها على قرص مدمج) و التي أصدرها أكثر من مطرب و مطربة تأييدا لفخامة القائد الأوحد ! و تعالت القهقهات و الضحكات و التصفيق على الحان الاغنية, يدخل أثنان أخران يشاركونهم الفرح و الطرب بأﻷغاني و تمجيد سيادته و أخذو يتعهدون بانهم سوف يسافرون الى سوريا هذه السنة بسياراتهم فقط ليضعوا هذه الاغاني و يشاركوا بمسيرات التأييد (العهد الذي لم و لن يوفو به يوما) وجه لي أحدهم كلاما من نوع: سوف نسحق المعارضين سوف ندعسهم و من هذه التعليقات الدارجة لهذا النوع من العقول لا زلت أذكر قوله (الله بالعين ما انشاف بالعقل انعرف اي اللي بيشوف مسيرات التاييد لسيادتو أكيد بيعرف انو بدو يضل ! اي عا وين طالعينلي عشر زلم تعيطو و تخبصو و بدكن تأسقطو النظام) و بقي يوجه الكلام لي (هو يعرف اني من كارهي النظام) و يقول (المعارضين الخووونة .. الحقيرون .. الندلاء ... ناكري الجميل) , أحد الموجودين لا يعرف أنني من المعارضين و اذ به يحادثني طالبا مني مشاركتهم الفرح و الحديث و هنا لم اعد احتمل و قلت بانني ضد هذا النظام , و بهذا كنت كانني أعطيتهم الإشارة التي كانو ينتظرون, هجمو جميعا كالبهائم (لك أي هاد عميل هااد بدو أسرائيل لك هاد واطي) بنبرة مستهزئة و ضاحكة, لم أحتمل البقاء تركتهم و خرجت محطم الأمال ضاقت الدنيا بي و صدري لم يعد يقوى على الشهيق, رحلت و أبتعدت عنهم, كان هذا اليوم اشنع يوم تشبيحي لي بحياتي, ذكريات أليمة لا زالت حاضرة و لكنها لم تعد تهم الآن.


















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق